أجمعت كل الفطر والعقول السليمة على الإقرار به، ولم ينكره إلا مكابر.
وناقض هذا التوحيد: أن ينكر وجود الله عز وجل. وهذا إفك عظيم، وباطل مبين، لم تعتقده أمة من الأمم قبل ظهور هؤلاء الملاحدة المسميين بالشيوعيين، والفكر المادي في أوروبا. أما قبل ذلك فإنما وجد أفراد قلائل زاغوا وضلوا وأضلوا.
إنكار الخالق عز وجل مع وجود المخلوقات إنكارا كلياً أمر عجب: ((أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ))[الطور:35] فمع رؤية المخلوقات والإقرار بوجود مخلوقات، من العجيب أن ينكر الخالق سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. وحق لهم ما قاله الشاعر:
إذا ادعـى عقـلك إنكـاره            فأنـكر العقـل ودعـواه
فلم يعد هذا عقلاً، وإنما هو جهل وضلالة.
وفي كـل شـيء لـه آيـة            تـدل علـى أنـه الواحـد
قال عز وجل: ((سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ))[فصلت:53] ولاحظوا الخطاب: (سَنُرِيهِمْ) هذا في الكافرين وليس في المؤمنين.
فلذلك الذين سبقوا إلى معرفة آيات الله في الآفاق وفي الأنفس -كما نرى في واقعنا الحاضر- هم الكفار، فمعظم الآيات هم الذين اكتشفوها واطلعوا عليها، ونحن الآن نتلقاها عنهم، فضلاً عمن كان قبلهم أيضاً من أهل الحضارات القديمة، فإنه قد أراهم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ما تقوم به عليهم الحجة، وما زالت حجة الله قائمة، وما زلنا نتوقع في المستقبل المزيد من ظهور هذه الحجة، ونرجو أن يكون ذلك إن شاء الله، وأن تكون ثمرته المزيد ممن يهديه الله عز وجل للإيمان منهم: ((وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ))[يونس:100] وهذا فضل من الله ورحمة.
فالمقصود أن من أنكر وجود الله عز وجل فقد ناقض هذا الأصل العظيم الذي أقر به المشركون: ((وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيم ُ))[الزخرف:9].
فما كان المشركون الذين بُعث فيهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا كان العرب قاطبة ينكرون وجود الله تبارك وتعالى، بل كلهم يعلم أن الله هو الخالق والرزاق والمدبر: ((وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ))[يونس:31].
فكانت هذه من البديهيات في حياة العرب في الجاهلية، ومن أنكرها فلا شك انه أكفر من أولئك الكافرين.
ويؤلمنا جداً في هذه الأيام أن ينتشر هذا الفكر الإلحادي بين شباب المسلمين بصراحة ووضوح، أو بتورية وتجسس وتلصص، لكنه له وجود ظاهري بارز بيّن، يتسلل إلى المسلمين من خلال الإعلام الفاسد ووسائل الإعلام التي تنشر وتبث ما يصادم عقيدة التوحيد ويناقضها -عقيدة التوحيد بأنواعه الثلاثة- ويكفيها أنها تنشر الفكر الغربي بسمومه ونظرياته وآفاته.
ولا شك أن الفكر الغربي متشبع بالإلحاد لأنه هارب من ظلمات وخرافات الكنيسة وطغيانها واستبدادها وجبروتها. فهو في هروبه هذا، ومع تصوره أنه لا دين إلا ما جاءت به الكنيسة، وأنه إن كان دين النصرانية باطل، فما سواه من الأديان أكثر بطلاناً.
فلذلك لا يمكن أن يتصور منه إلا أن يكفر بكل دين، وبالتالي يكفر بوجود الله تبارك وتعالى، وهذه القضية لا نطيل فيها لوضوحها.